الأدب والقيم الإجتماعية
مقدمة
صار هذا الموضوع – فجأة – ساخنا وقضية رأى عام لأسباب منها المفهوم ومنها غير المفهوم .
وفي غبار المعركة وضعت الثوابت والبديهيات موضع المناقشة وأتضح للجميع حتى من خارج الحقل الأدبي مدى التداخل العجيب والتباعد الفاجع بين نظرة أهل الكتابة والنقد من جهة ونظرة أهل الفكر والثقافة من جهة أخرى بل ظهر أحيانا تناقض بين موقف الكاتب نفسه في فترة ما ثم موقفه هو نفسه في فترة أخرى ولا يمكن أن يبرر هذا التناقض إلا على أساس تداخل المعايير التى نبنى عليها مواقفنا النقدية تجاه الإبداع وحركية الإبداع داخل المجتمع وداخل الإطار القيمي أو خارجه .
أقول تداخل وضبابية المعايير وأكاد أقول غيابها مما أفسح المجال واسعا أمام المواقف الإنتهازية والمصلحية الضيقة وهذا لا شك ضار ضارا بالأدب وحركته ومكانته وأثره في حركة تطور الأمة كلها .
ومن خلال تلك المستجدات الجديدة على الساحة الأدبية تبدو أهمية البحث في العلاقة بين الأدب والمجتمع قديمه جديدة ملحة تدعو جميع الغيورين على الأدب وتطوره وعلى المجتمع وسلامته إلى نفض غبار المعارك وتوضيح الصورة وتجلية القضية وتحديد المعايير ما أمكن فنحن أقرب إلى نظرية الأدب منا إلى النقد المعيارى أو حتى التحليلي ولذلك فالجميع مطالبون بتوضيح المسألة وفض الاشتباك بحياد وتجريد بعيدا عن الغوغائية والنوازع التعصبية والأفكار المطلقة عن الحرية أو عن القيود فلكل حقل من حقول النشاط الإنسانى قواعده ومعاييره وأسسه مهما كنا نحب الحرية فلا بد ألا تتماهى الحدود بين الحرية والفوضى ؛ بين الإبداع والإخلال وكذلك مهما كنا نعتد بالقيم وأنها مطلقة حاكمة في مجتمع كمجتمعنا إلا أننا نأبي أن تغيب المعايير ونحكم على القيم الإبداعية بقيم غربية عن مجالها مستمدة من مجال آخر له احترامه وكيانه ولكن ليس له أن يحكم شيئا غريبا عنه0
معنى الإبداع معنى القيم
جاء في أساس البلاغة"أبدع الشئ وابتدعه اخترعه وابتدع فلان هذه الركيةوسقاء بديع جديد " المعنى اللغوى لكلمة الأبداع يدور حول الجدة والأختراع فالبديع هو الجديد الذى جاء على غير مثال سابق ومن هذا المعنى البدعة وهى الجديدة في أحكام الشرع وهى ضلالة على حد تعبير الحديث الشريف لأن الشرع توقيف لا ابتداع فيه ولا اجتهاد مع النص .
والبديع مذهب انتشر في العصر العباسي من رواده بشار وأبو نواس وابن المعتز ثم أبو تمام وقد ألف ابن المعتز كتابا سماه البديع . ثم انصرف المعنى الى المحسنات وصار علما على علم خاص من علوم البلاغة المتأخرة في شروح التلخيص وحواشيه وأصبح اسما على غير مسمى .
الإبتداع والأختراع أذن هو التأليف المتفرد الذى لا يخضع لتقليد مثال سابق ، ومن هنا فهو معاناة مستمرة يعيش فيها الإديب حتى يخط لنفسه طريقا مميزا .
ولكن الابداع رغم كل شئ يظل نسبيا في مجال الأدب فمهما عمل الأديب وبذل من جهد فإنه لن يتمكن من الإتيان بالجديد الخالص من أصوات الآ خرين معاصرين أو تراثيين بل إن هذا الظهور وكيفيته ربما كانت هى مناط التميز والتفرد .
فيما أزعم فأن الأبداع الأدبي ليس أن يأتى الأديب بما لم يأت به أحد من قبله أبدا بل أن يأتى بشئ مميزرغم أنه يحوى الكثير مما جاء به الأوائل فهو يأخذ منهم ويضيف إليهم أما أن ينسج في الهواء ويصرخ في بيداء ويسير في عكس الأتجاه فليس هذا إبداعا ولا ابتداعا ، أكاد أقول إنها في هذه الحالة تكون زوبعة لإثارة الانتباه ودعاوى عريضة دون محتوى .
الإبداع هو أن تأتى بالجديد الذي إذا قورن بالقديم كان منه وليس هو نفسه يأخذ الراية ويكمل المسيرة يبدأ حيث أنتهى الآخرون .
هذه الحركية المميزة للإبداع تحدث بالضرورة جدلا بين القديم والجديد لا قطيعة كما دعا بعض من لا يفهمون شيئا في أدب ولا فكر أو يفهمون لكن دوافعهم المغرضة هى التى تدفعهم لهدم التراث بجرة قلم سام لا شك .
هذا الصدام والجدل بين القديم والجديد هو سبيل التطور والتقدم في كل الآداب وهو بذرة النماء المستمر وبقدر هذا الجدل الخلاق نحكم على أدب ما بالحيوية أو الجدب .
أما عن القيم فقد جاء في أساس البلاغة أقام الشئ أدامه وما لفلان قيمة ثبات ودوام على الأمر وهو الحى القيوم الدائم الباقي وهو قائم بالملك وهم قامة الملك وساسته وقام الماء جمد "
المعنى العام للقيم هو الثبات والدوام فهى لا تتغير بتغير الزمان والمكان وهى – مهما قيل في شأنها – مطلقة رغم محاولات الوضعية المنطقية وغيرها من المذاهب الخلقية التى تصورها على أنها نسبية وتعلن مقولة "حقائق فوق البرانس بواطل دونها "0
ذلك الفهم الخاص للقيم ليس مسلما به حتى في إطارالثقافة الغربية فضلا عن أن نسلم به نحن أصحاب الثقافة العربية الإسلامية 0
أقول قد يبدو للبعض أن القيم تتأثر بمؤثرات الزمان والمكان فلكل عصر قيمة ولكل مجتمع قيمة ولكن هذا التأثير إنما هو عند الناس نسبي ونادر بل يكاد يكون عكس المطلوب وانتكاسا ورده يهب المصلحون في كل عصر ومصر لإزالةالغبار عن المجتمع التى تناساها أو تجاهلها بفعل الظروف المتغيرة أو يهب المصلحون لإقرار قيم ثابتةغابت عن المجتمع أو يحتاجها في لحظة تاريخية معينة .
الأصل إذن أن القيم ثابتة دائمة يقبلها المجتمع ويقيس نفسه عليها ويحسب موضع قدميه بالنسبة إليها فهى إرشادية معيارية حاكمة على ضروب النشاط الإنسانى بالصحة ما اقترب ذلك النظام من إطارها وبالخطأ والفساد ما ابتعد هذا النشاط عن نطاقها وعلى مدار التاريخ كانت نقاط التماس بين القيم وضروب النشاط الإنسانى مناطق ساخنة يحاول كل طرف أن يغير على حدود الطرف الآخر موسعا عن نطاقه0
وفي حالتنا هذه كثيرا ما سمعنا كلمات النقد الحاد والرفض التام من رجال الخلق والإصلاح والدين تنصب حارقة على عدد من الشعراء والأدباء وتحاكم الإبداع محاكمات مطولة وكذلك كم قرأنا وسمعنا من دفاعات مطولة مجيدة عن الحرية وعن حق الأديب في التمرد الدائم وأن الخنوع والخضوع لقيم الجماعة هو مرادف لقتل الإبداع ومظهر واضح لموت الأدب .
وقد تجلت تلك المساحة الساخنة في ظروفنا الراهنة ربما بأوضح صورها فقد ثارت معركة مؤخرا حول نشر رواية للكاتب حيدر حيدر ثم ثارت بعدها عدة معارك اختلفت منها المواقف وتباينت المنطلقات وتعارضت الآراء ثم لم يظهر وجه الحق جليا حتى الآن .
وسوف يستمر الصدام الأزلى بين الثابت والمتحول بين القيم الثابتة والإبداع المتحرك المتحول فمن الممكن أن يقود الإبداع القيم فيرسي قيما أهملت أو يزيل عنها التراب
قال أبو تمام قديما :
"ولـولا خـلال سنـها الشـعر مـادرى بنـاة العـلا مـن أيـن تـؤتى المكارم . فمثلا قيم التمسك بالأرضي والدفاع عنها ماتت لمدة من الزمن ثم أعادها الإبداع إلى الحياة قوية مؤثرة باهرة وثمة قيم أخرى ما زالت سائدة لكنها سلبية حاربها الإبداع وقد يتمكن من القضاء عليها .
لا يجب أن ننسي أن القيم هي مجال عمل الأدب الحق الخير الجمال وقد يصطدم الإبداع بتلك القيم أو بقيم متفرعة عنها أصلية وثابتة فهل يمكن أن نفسح له الطريق أم يجب أن نصادره ونضحى به من أجل القيم ؟!
الصراع الجدلى بين القيم والإبداع
والواقع أن العلاقة بين طرفي هذه المعادلة هى علاقة متوترة على مدار التاريخ الأدبي كله ، فدائما كان هناك صراع لا سبيل إلى القضاء عليه بين من يحكم القيم الإجتماعية فيحاكم فلويبر بسبب مدام "بوفارى " مثلا أو يوظف الأدب لخدمة فكر ما أو قضية ما اجتماعية أو سياسية ويصم الأدب الذى لا يوظف في هذا المسار بالفساد والضعف والإنحلال0
مثال لذلك دعوة الأدب الهادف التى انتشرت في الستينات على يد محمود أمين العالم ود. احمد مندورأو حركة الأدب الواقعى الإشتراكى ، هناك دائما صراع بين هؤلاء وبين من يطلق الشعر والأدب من كل القيود والحدود ويعتبر أن القيم الفنية البحتة هى الحاكم الوحيد والقانون الأوحد في حقل الدراسة الأدبية
رأينا ذلك في دعوة الفن للفن ومدارس النقد الجديد والشكلية الروسية ثم مذاهب الحداثة وما لنا نذهب بعيدا هكذا أن ذلك الموقف تجلى في تراثنا القديم حين دافع القاضي الجرجانى عن حرية الأديب وفصل بين دين الأديب وخلقه وبين مكانته الإبداعية حيث لم يطلق أحكاما خلقية على خلاعة امرئ القيس وأمثاله بل اكتفي بالأحكام الفنية فقط.0
هناك صراع إذن وقد أدلى فيه كل فريق بدلوه ودافع عن موقفه دفاعا صلبا مجيدا والجهة منفكة- فيما أزعم بين الفريقين – شرط أن نعمق النظرة ولا نتوقف عند ظواهر الأشياء .
إننا عندما نستعرض تاريخ الأدب في العالم ونرصد ملامح التغير ومسارات التطور يستوقفنا ملمح بارز في هذه الحركة وذلك التطور ألا وهو أن حالة المجتمع المنشئ للأدب العقلية والإجتماعية والسياسية كانت هي المؤثر الحاكم في تطور الأدب واتجاهه وجهة معينة وتكوين القيمة المهيمنة عليه في اللحظة التاريخية المعينة ، كان شعر الحماسة في العصر الجاهلي استجابة طبيعية لحالة المجتمع وكان تقديس المرأة في شعر التروبادور كذلك نتاجا لظروف اجتماعية بحتة 0
والشعر العذري في العصر الأموى لم يكن إلا استجابة لحالة إجتماعية جديدة متأثرة بالقيم الإسلامية التى احترمت المرأة فلم تعد سلعة كما كانت على الأقل المرأة الحرة أما شعر الخلاعة فهو يؤكد نفس القضية فحينما حرم المجتمع من وصال الحائر بالطريقة يهواها بسب الحدود والقيود الشرعية ، ووجد هدفه في سوق الجواري ونظر فيها إلي المرأة كسلعة عبر الشعر عن تلك القيم وتلك النظرة .
معنى هذا أن التأثير والتأثر المتبادل بين المجتمع وقيمه من جهة وبين الأدب والقيمة المهيمنة عليه من جهة أخرى في ظرف تاريخى معين ، هذه العلاقة كانت كفتها في الغالب تميل ناحية المجتمع والأنتصار له .
لا شك أننا لا ننادى بالجبرية الأدبية فلم يفرض أحد على كاتب أو شاعر شيئا حتى من فرضوا على الإبداع موضوعات معينة نحن لا نوافقهم فهذا خارج عن طبيعة الأمور فما إلى هذا قصدنا وما يصح أن نتعامل مع الأدب بتلك النظرة ، لكننا ننظر نظرة كلية نسبية ، فإذا كان هناك تأثر من الأدب بقيم مجتمعه أو بالقيم العامة وتأثير للأدب في هذه القيم فإن علاقة الثأثير والتأثر تميل كفتها ناحية المجتمع وقيمة السائدة .
وعلى مدار التاريخ فإن استجابة الأدب للقيم كانت نسبية وتسليمه لها لم يكن مطلقا نهائيا فما زال الأدباء يناوشون تلك القيم ويتململون منها بل وجهرون بعدائها لكنهم لا يملكون الإنتصار عليها مهما حدث.
ولذلك فإن العلاقة بين الأدب والقيم الإجتماعية يجب أن تعامل بحذر عندما ندرسها لأن الخيوط فيها متشابكة واللغط كثير بين من يدعي أن المجتمع هو كل شئ بل ويطالبنا بخطط خمسية للأدب على غرار خطط التنمية الأخرى كما كان يحدث في روسيا الشيوعية وبين من يلغط بأن الأدب إبداع خالص لا شأن له بالمجتمع وقضاياه وينادون بكتابة الجسد والخيبات الصغيرة وتوافه الحياةكما يدعون 0
هذا اللغط الكثير دفعنا إلى توسيع مساحة النظر ومعيار الحكم بل دفعنا إلى النظر في مجمل التاريخ الأدبي لإثبات تلك الفرضية البسيطة وهى أن المجتمع يحكم ويوجه الأدب دون أن يدرك الأدباء ذلك ودون أن يقاوموه بل دون أن يشعروا بوطأته في كثير من الأحيان 0
وهكذا فإن الحالة النفسية والاجتماعية وتصور المجتمع للكون والحياة والإنسان وفلسفته العامة الغالبة إنما هي أمور حاكمة للتطور الأدبي إن الدعوة لأدب يخالف تلك الفلسفة العامة والذوق الغالب هي دعوة فاشلة سلفا إذ لابد من تهيئة التربة قبل غرس نبت جديد وأي محاولة لتجاوز تلك الحقيقة هي محاولة مقضي عليها بالفشل وتجربة مصطنعة وتلك هي لب أزمة الأدب العربي الحديث حيث تعرض أدبنا لطوفان من فكر وفلسفات وذائقة وافدة تأثر بها الأدباء والنقاد بما أنهم أقدر على الاستيعاب والتذوق والتمثيل بصورة أسرع من جمهور الأدب ، وجمهوره لهذا السبب ولأسباب أخرى اجتماعية أيضا حدثت تلك القطيعة بعد أن حاول كبار أدبائنا إدخال مدارس أدبية جديدة نشأت في ظل ظروف معينة في أوربا 0
حاول كبار أدبائنا إدخال مدارس الرومانسية والواقعية ثم الرمزية ومدارس الحداثة بطريق التهجين فأخذوا منها الشكل أو الظاهر غالبا وافتقدوا الجوهر الذي هو فكرها وفلسفتها ونظرتها إلى الكون والإنسان أو اخذوا الفكر أيضا في بعض الأحيان لكن الجمهور لم يكن مستوعبا له أو قابلا له كله قد يكون مستعدا لقبول التجديد الشكلي أو لتمثل بعض عناصر التجديد إما أن يكون قابلا للمذهب برمته أصلا وفصلا كما يقال فلا ، فغاب الجمهور وغابت التجربة الحية والتفاعل المثمر بين المدرسة الأدبية والجمهور الأدبي عندنا ولم تكن عند كذلك الغرب 0
يقول محمد مندور عن نشأة المذاهب الأدبية "والذي تجب الفطنة إليه عند البحث في نشأة المذاهب الأدبية هو ألا تتصور انه قد قصد إلى خلقها فوضع الشعراء أو الكتاب أو النقاد أصولها من العدم ودعوا لاعتناق هذه الأصول وذلك لان الحقيقة التاريخية هي أن المذاهب الأدبية حالات نفسية عامة ولدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في العصور المختلفة " 0
هل يمكن ان تقول بناء على ذلك ان محاولة العقاد وزميله ثم مدرسة أبوللو والمدرسة الواقعية والشعر الجديد كل ذلك كان اصطناعا لا اساس له و ان أولئك الرواد جاءوا بما لا حاجة لنابه وما لا قبل لنا باحتماله وان حركتهم كانت ضد منطق التطور وطبيعة الأشياء ؟!
الواقع انه لا احد يمكنه أن يصدر ذلك الحكم رغم أن المدارس الأدبية بالفعل كانت تعكس حالات نفسية واتجاهات فكرية نشأت في بلاد بعيدة وثقافة أخرى لكن أمعان النظر مطلوب لبحث لماذا مال الرواد إلى هذه المدرسة أو تلك لا شك أنهم مهما كانوا منبهرين بأوربا وما فيها0
أقول لا شك أنهم كانوا متأثرين بحالة المجتمع في اختيارهم من بين المدارس السائدة في أوربا فقد بدأت النهضة عندنا بعد أن استوت على عودها في أوربا فلماذا أهمل شوقي جميع المدارس الرومانسية واهتم بالكلاسيكية ؟! ولماذا أهمل العقاد مذاهب الرمزية وما إليها واهتموا بالرومانسية لاشك أنهم في ذلك يسيرون مع المنطق الطبيعي للأشياء وأنهم كانوا يستجيبون لحاجة المجتمع 0
والآن جاء دور إثبات أو التحقق من تلك الفرضيات النظرية وسوف نستعين بتاريخ المذاهب الأدبية لان النظرة التاريخية مهما عابها البعض لهى اسلم الطرق لإثبات حالة التأثير المتبادل بين الأدب والقيم الاجتماعية 0
الكلاسيكية ومثل المجتمع الطبقي
نظرية المحاكاة كانت أساس الكلاسيكية في الغرب فقد قامت على فلسفة إحياء التراث اليوناني نظرية الفن عند أفلاطون الذي يرى العالم كله إنما هو ظلال ومحاكاة للعالم الحقيقي عالم المثل والفن محاكاة لما في الطبيعة فهو إذن ناجح بقدر مقدرته على نقل ما يحدث في الطبيعة سواء تصوير أو شعر أو دراما ثم طور أرسو هذه النظرية في كتابه" فن الشعر " ومن بعده هوراس في كتاب حمل نفس العنوان حيث رسخا نظرية المحاكاة في ضمير عصر النهضة الأوربية المجتمع الخارج حديثا من عباءة النبلاء ومن سلطة الكنيسة والإمبراطور عصر التنوير والعقل والفلسفة عصر ديكارت صاحب الكوجتو هنا نرى توازن كفتى الميزان بين المنهج الديكارتى العقلي الواضح الباحث عن اليقين في الاستنباط الرياضي وبين المسرح الشعري عند راسيين وموليير وكورني نرى قانون الوحدات الثلاث المحدد المعالم نرى أهمية الذوق واللياقة نرى الحفاظ على تقاليد الطبقة وملامح البطل النبيل هذا الأدب يعبر عن روح الطبقة المسيطرة ومثلها الاهتمام بالشكل والقواعد المرعية والوضوح المنطقي والاهتمام بالفخامة واتخاذ المسرح أساسا لتحديد قواعد الفن وشرح نظرية المحاكاة وعدم الاحتفال بالذاتي الفردي وعدم الإعجاب بالانفعالات غير المبررة بل احتقار الاندفاعات غير العقلية والدعوة لتمجيد الإنسان بما هو كينونة عامة وليس بما هو فرد منفرد لا يتكرر مثل ذلك كان توافقا من الأدب مع المجتمع الكلاسيكي فلم يكن هناك غالبا صراع بين أدباء العصر ومجتمعهم على صعيد القيم لا شك لأنها مناط بحثنا وذلك لأن الأدب خضع للمجتمع وعبر عنه اصدق تعبير وعندما نقلت الكلاسيكية إلينا على يد الزعماء الأحياء قامو بما قام به أدباء أوربا فكان الشعر الجاهلي هو المثال أو على الأقل الشعر القديم هو المثال الذي قام بما قام به المسرح اليوناني في أوربا وكانت كتب الآمدى والجرجاني هي الأساس الذي ارسي قواعد الشعر كما حدث في حالة كتاب الشعر لأرسطو ثم تأكدت هذه القواعد في كتاب الوسيلة الأدبية ثم المواهب الفتحية كما في حالة كتاب هوراس فن الشعر 0
وعبر البارودي وشوقي وحافظ عن كل ما يعتمل في مجتمعهم وكانوا لسان حال ذلك المجتمع فقد وجهوه وعبروا عنه دون تناقض مع قيمه أو حتى تباعد معها 0
وكما حدث في أوربا من نقد وشك في جدوى شعر بوب الأخلاقي في انجلترا ذلك الشعر التعليمي الملتزم بالقواعد حدث ذلك عندنا فقد تشكك النقاد عندنا في شعر شوقي الحكمي و الأخلاقي كما في الديوان لعباس العقاد والمازني 0
فالتشابه واضح جلي والدور الذي قامت به كلاسيكية الغرب هو نفسه الدور الذي قامت به كلاسيكية الشرق بل والمجتمع الطبقي متشابه رغم اختلاف الظروف بينهما والدور الذي قامت به كلاسيكية الغرب هو نفس الدور الذي قامت به كلاسيكية الشرق والمصير واحد فلا عجب ان يكون الموقف بينهما واحد من المجتمع 0
الرومانسية
كل من يحاول دراسة هذه المدارس المتداخلة المتشابه يبدأ بوصف المجتمع الذي افرز تلك المدارس ويعتبر كثير من دارسي الأدب انه ليس هناك على مدار التاريخ الأدبي إلا الكلاسيكية والرومانسية فهما يتراوحان ويتبادلان السيطرة على عصور الأدب حسب حالة المجتمع وموقفة من القيم والتقاليد السائدة فإذا كان هناك احترام للقديم وتقديس له بسبب نهضة سابقة سيطرت الكلاسيكية وإذا كان هناك قلق وثورة وتوتر ورغبة في الجديد وتململ من القديم سادت الرومانسية 0
والرومانسية التي استحقت بل ونحتت هذا المصطلح هي مدرسة تمثل خطوة كبري في سلم التطور الادبي فمن عباءتها خرجت الحداثة بكل أشكالها وألوانها أن الرومانسية هي المعبرة عن روح الطبقة الوسطي إبان صعودها بعد تفوقها على طبقة النبلاء ففي الرومانسية تتجسد روح تلك الطبقة وأحلامها وأخلاقها حيث كانت تتطلع للعالم المفتوح أمامها الملئ بالمغامرة والأماكن البكر الموحشة 0
البهيجة في الوقت عينه الغابات والبحار الممتدة والشعوب البدائية والأموال والنجاح ثم السقوط واللاجدوى بعد ذلك 0
ورغم كل ما قيل من جنوح الرومانسية للخيال والأحلام واعتمادها المطلق على الانفعال الفردي وتقديسها للفرد في مواجهة المجتمع فان ذلك يحوى من حيث لا تدري تلك الرومانسية خضوعا لمنطق المجتمع وتماشيا معه واستجابة لروحه فأنه المجتمع المؤمن بالفرد والفردية المتطلع لعالم مثالي ليس له وجود على الأرض عالم يحكمه الخيال حيث المال يحكم الأرض المجتمع الذي صار يشعر بغربة قاتلة وانفلات مدمر أليس عجيبا أن شوقي الذي عاش في فرنسا وعاصر كبار الرومانسيين لم يستجب للرومانسية وكان كلاسيكيا حتى النخاع ولم يتذوق من الأدب الفرنسي إلا ماكان كلاسيكيا هل كان ذلك إلا استجابة لتكوينه الارستقراطى وان شوقي نفسه عندما ظهرت دعوة الديوانيين وهجومهم عليه لم يستجب لها بل لم يهتز بها أدني اهتزاز ثم لما عانى تجربة النفي وتحطمت أبهته الأرستقراطية وضاع منصبه في البلاط الخديوي مال شوقي نفسه إلى الرومانسية في أخريات حياته وغنى كما لم يغن من قبل في مسرحياته وهى التي أعدت لتمثيل اى غنى في الدراما أكثر مما غنى في الشعر الغنائي ولنراجع معا مجنون ليلي وكليوباترا لنبرهن على ذلك هل بعد ذلك نجد شكا فى تحكم الذوق العام والإطار العام للأديب في توجهه الفني 0
إن طبقة البرجوازية الجديدة التي نشأت في مصر بعد نهضة محمد على التعليمية والتي عانت ويلات الاحتلال الانجليزى وشعرت بغربة قاتلة في وطنها ربما اشد من الغربة التي أنتجت حركة الرومانسية الأوربية تلك الانتلجنسيا هي التي حملت لواء الرومانسية العربية من الديوان إلى أبوللو مرورا بالمهجريين تلك النخبة التي ملت القديم وتململت من القيم السلبية البالية القديمة التي أدت إلى السقوط في براثن المحتمل قيم المبالغة والنفاق والشكلية والتقليد وعدم المجازفة وراء الجديد العميق وكذلك قيم الجمود ورفض التحرر وقد ربطت بين تلك القيم المحافظة في كل صورها فنبذتها جميعها بحدة وشدة وعانت في تلك الفترة 0
فإن المتعجل يمكن أن يظن أنها عادت المجتمع وتصادمت معه ولكن كيف نحكم بهذا والمجتمع كله يتململ ويتمرد على تلك القيم البالية وقد رأى في الرومانسية تعبيرا عن نفسه رغم كل ما يثار من معارك أدبية بين أنصار القديم والجديد فلا شك أن الغلبة كانت للجديد ونعود مرة أخرى إلى أوربا والى رينيه ويلك فيحدثنا " كان انتصار الرومانسية في ألمانيا أكمل مما في سواها لأسباب تاريخية واضحة فقد كانت حركة التطوير هناك ضعيفة قصيرة العمر ولم تأت الثورة الصناعية هناك إلا في وقت متأخر ولذلك فتحت تلك الأسباب الاجتماعية الفكرية الطريق أمام أدبا أنتج معظمه مفكرون غير ملتزمين ومعلمون وجراحون في الجيش وموظفوا مناجم الملح وموظفوا المحاكم ومن لفلفهم ممن تمردوا على مثل الإقطاع والطبقة الوسطي هذه هي الرومانسية التي وصفها الشاعر الانجليزى بليك ويرى أن هدفها الأعلى هو أن ترى العالم حبة رمل والسماء زهرة برية فأمك اللا نهائية في راحة يدك عبرت الرومانسية عن روح المجتمع في أوربا وكذلك عندما نقلت إلينا في ظرف تاريخي معين عبرت عنا وعن روح مجتمعنا رغم أنها منقولة وذلك لتشابه الظروف فمسوغ نقلنا لها وسبب قبولها هو حالة المجتمع حتى لقد سميت الرومانسية لذلك مرض العصر "0
الرمزية والحداثة والقيم الاجتماعية
مذهب الرمزية ربما كان من أكثر المذاهب خرقا للقيم الاجتماعية وطلبا للحرية والانفلات من كل القيود حتى من قيود العقل الواعي وهو مذهب متأثر بالملل الذي أصاب الطبقة الوسطي أو الطبقة البرجوازية إن شئنا الدقة وشعورها باليأس بعد تحطم أجنحتها وروح المغامرة التي كانت فيها وبعد شعور الأدباء بمأساة الإنسان في ظل الجشع الرأسمالي الشديد وتحطيمها -أي الرأسمالية لكل قواعد العقل والمنطق ومن هنا مالت الرمزية إلى أشكال وآليات بعيدة عن العقل اقرب إلى الكشف الصوفي أحيانا والى التعمية المقصودة أحيانا والى التهويم فيما وراء العقل والواقع في الأحيان لجأت الرمزية إلى استيطان اللاوعى الفردي واللاوعى الجمعىالى تحطيم الأطر القديمة للتعبير اللغوي شعرا ودراما وسردا بحثا عن الجديد بحثا عن نقطة ضوء في ليل كثيف صنعته الرأسمالية وقيمها البالية وهنا يكون الصدام الظاهري مع قيم المجتمع ليس صداما بل هو نفاذ لروح محجوب وراء دخان المصانع وأصوات البائعين في البورصة وما قيل عن الرمزية يقال بحذافيره عن كل حركات الحداثة بعدها وما قيل عن رمزية وحداثة وما بعد حداثة الغرب يقال عما حدث عندنا ربما الفرق الوحيد بيننا وبينهم وهو يظهر في كل المدارس السابقة إنما هو في مدى فهم الأسس النظرية والمنطلقات الفلسفية 0
بين الفردية والجماعية
هناك جدل بين قديم فلاسفة التاريخ حول من يصنع التاريخ هل هم العظماء كما رأى ذلك كارليل في كتابة الأبطال وكما رأى رأى غيره أم أن المجتمع وحركته هما اللذان يصنعان التاريخ 0
بل إن هناك صراع بين من يرون الفكرة هي محركة التاريخ كما نرى ذلك عند المثاليين بزعامة هيجل وبين من يرى أنها المادة كما زعم الماركسيون الماديون العجيب أن هذا الخلاف برمته قد نقل إلى مجال الأدب فهناك من يرى أن الأدب يطوره أدباء وشعراء عباقرة لا يخضعون بالضرورة للواقع بل سيتمردون عليه ومن ثم يأتون بالجديد ويغيرون مسار الحركة الأدبية ويغيرون النموذج الارشادى للذوق العام 0
يقول ماركس سترنرابو المذهب الفوضوى ان الأعمال الفنية التي يستطيع فنان ما إبداعها يعجز غيره عن القيام بها ذلك لأنها وليدة موهبة خاصة لا تخضع بحال للتنظيمات والترتيبات الجماعية فمن ذا الذي يستطيع أن يحتل مكانة موزار الموسيقية أو روفائيل الفنان هذا على جانب وعلى الجانب الآخر ما زال هناك من يصرون على أن الواقع الاجتماعي هو الذي يستجيب لموهبة فذة ما في كل ظرف تاريخي ما أو لا يستجيب وبالتالي تنمو تلك الموهبة وتخفت تلك الأخرى وسيظل ذلك الخلاف مستعرا لا حل نهائيا له أننا إذا راجعنا التاريخ الأدبي وليكن تاريخنا نحن سنجد أن المواهب الفذة عبرت عن نفسها وطورت المسار الأدبي كله من خلال تعبيرها عن روح العصر وعن قيم الجماعة وليس من خلال مصادماتها أو التعالي عليها إذن فان حل تلك الإشكالية النظرية التي شرحناها سابقا كان موجودا في تاريخنا لمن أراد البحث والدرس ولم يكن ثمة تعارض بين الأديب والقيم المهيمنة الفلسفية والاجتماعية 0
ففي العصر الجاهلي نرى الخنساء تلك الموهبة الشعرية التي لم تتكرر على نفس الدرجة في شعرنا اللهم إلا عند نازك الملائكة قليلا تلك المرأة في مجتمع الحماسة والقتال الدائم مجتمع المعارك والعجاج الثائر والدم الفائر والناس بين موتور وواتر يقول دريد بن الصمة
يغـير علـينا واترين فيشفي بنا إن أصبنا أو نغير على وتر
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا فما ينقضي إلا ونحن على شطر
الطوفان الذي كان لا يري الشعر أنثويا لكن المراة المعبرة عن القيم الحمية والفروسية والبطولة الفردية الفذة في رثائها لأخويها معاوية ثم صخر لم تستطع أن تتكيف مع مجتمع آخر يقدس المثل الديني والجهاد في سبيل الله من اجل الحق والعدل والدعوة الجديدة فلم تزد عندما سمعت باستشهاد أولادها الأربعة في القادسية أو اليرموك أن قالت الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم 0
كيف حدث هذا ؟! إن عاطفة الأمومة هي أقوى لاشك ولكن قيم وموضوعات المجتمع الجاهلي ووضع صخر بالنسبة للقبيلة هو الذي حرك لسان الخنساء بالبكاء ومواضعات المجتمع الاسلامى ووضع أبنائها هو الذي جعلها تصمت فلم يكن أبناؤها حماة الدولة بل هم مجرد ارفاد في مجتمع كبير ولم يضع جهدهم وجهادهم هباء فقد دخلوا جنة عرضها السماوات والأرض إذن فلم البكاء والعويل الذي تفجر حسب مواضعات العصر الجاهلي صار حمدا وشكرا على شرف الشهادة في العصر الاسلامى ارايتم كيف يؤثر المجتمع وفلسفته العامة على الأدب وكيف اختلف موقف الأديب الواحد في عصرين مختلفين 0
الأدب والقيم
هل يحق لنا أن نستخلص من هذا المثال الذي ضربناه من المجتمع الجاهلي وغيره كثير أن الأدب مجرد انعكاس للمجتمع كما يدعي أصحاب المدرسة المادية الجدلية وكما عبر عنهم " إن القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج والتطورات الاقتصادية هي التي يتكون منها بنيان المجتمع السفلى الذي يقوم على أساسة الصرح الضخم للبنيان العلوي المكون من المثل الفكرية فالمؤسسات السياسية والقانونية والعقائد الدينية (؟!!)والأخلاق والآداب والفنون تعكس فيما تشرعه لنفسها من نظم وما تتخذه من قرارات وما تبتدعه من إنتاج ظواهر اقتصادية "
هذا التوصيف الفج لعلاقة الأدب بل والفلسفة بالمجتمع لا اقبله واعتقد أن البحث الأدبي قد تجاوزه في أيامنا هذه بمراحل وصار رافضا له بنفس القدر أو بأشد من قبوله له في فترة سابقة كان هذا الرأى مسيطرا على الساحة فارضا هيمنة كاملة ولكن للسائل أن يسأل ولماذا ضربت مثل الخنساء طالما لن تسلم بما يترتب على ضربة أو طالما ستحترس من بعض ما يترتب على ضربة؟
الواقع اننى ضربته تمهيدا للسؤال التالي :-
إلى اى حد أو إلى اى مدى يسمح للفنان أو يسمح هو لنفسه بمخالفات مواضعات الجماعة وقيمتها المهيمنة ؟! فإذا كانت الإجابة عن سؤالنا أيهما يوجه الأدب أم أن المجتمع قد حسمت تقريبا إلى أن المجتمع أكثر تأثيرا على الأدب من تأثير الأخير عليه 0 وإذا كنت لم ترض أن يكون الأدب مع ذلك مجرد مرآة ، عاكسة للمجتمع فأنت تسلم إذن أن هناك قدرا لا بأس به من الحرية لدى الأديب
أقول بل أنا ادعي أن الأدب أو بعض نماذجه العليا تتخطى مرحلة التعبير عن المجتمع إلى مرحلة تنوير أو تثوير ومن ثم تغيير المجتمع 0 وعلى هذا الأساس نعود إلى السؤال ما مقدار الحرية التي يمكن أن يتمتع بها الأديب تجاه المجتمع ؟
لقد راوغ توفيق الحكيم في كتابه فن الأدب "ص 288، ص 299 تحت عناوين الأديب يلتزم الأدب لا يلتزم فما معنى أن الأديب قد يلتزم بقضية ما ويدافع عنها كما فعل حسان بن ثابت مثلا في الدفاع عن الإسلام والالتزام به ،وان الأدب لا يلتزم مع ذلك باحترام ذلك الأديب ووضعه مثلا في طبقة المتنبي 0
نعود إلى سؤالنا ودعوني أطرح طرحا ما لقد قسم النقاد وهو سيد قطب في كتابه "النقد الأدبي أصوله ومناهجه "قسم الأدباء إلى العباقرة من أمثال طاغور وتوماس هاردى وعمر الخيام والممتازين من أمثال المتنبي وابن الرومي وأبي العلاء ثم هناك الشعراء والأدباء العاديون أو النظامين أمثال البهاء زهر وابن المعتز قديما وأمثالهم حديثا كثيرون0
ويذكرني هذا التقسيم الجزافي بأطروحة توماس كون في كتابة بنية الثورات العلمية – فهو وان كان في مجال مختلف عن الأدب وتنظيراته إلا أن فكرته الأساسية أن العلم يتطور عبر قفزات أو ثورات حيث يكون المجتمع العلمي يبدو غير مسلم بها فيقوم نتيجة لهذا بتغير القيم الإرشادية في نقلة أو ثورة تشبه ما فعلة كوبر نيقوس في الفلك هنا تنقلب الحال ويتطور العلم 0
ما الهدف من كل ذلك ؟
إن الأدباء ليسوا جميعا على قدم المساواة في قدر الحرية الممنوح لهم من المجتمع لخرق مواضعاته ، فهناك من ينفذ إلى روح المجتمع وذلك بموهبة فذة وبصيرة نافذة مدركة لما هو جوهرى وأصيل وثابت وما هو عرض مضر وزائل فيخالف ذلك ويدمره ويحافظ على هذا وينميه فليس كل قيم المجتمع قابلا لأن يكون حقل تجارب بل إن هناك اختيارا وتدقيقا في تطوير اى جانب وحماية اى جانب وتلك موهبة لا تكتسب بل لا يمكن تحديد ذلك قبليا وإنما يتحدد بعد أن يكون المبدع قد فرغ من عمله هنا نقول أن النص قد أضاف علة إلى عللنا الكثيرة وزاد الطين بلة أو نقول
مقدمة
صار هذا الموضوع – فجأة – ساخنا وقضية رأى عام لأسباب منها المفهوم ومنها غير المفهوم .
وفي غبار المعركة وضعت الثوابت والبديهيات موضع المناقشة وأتضح للجميع حتى من خارج الحقل الأدبي مدى التداخل العجيب والتباعد الفاجع بين نظرة أهل الكتابة والنقد من جهة ونظرة أهل الفكر والثقافة من جهة أخرى بل ظهر أحيانا تناقض بين موقف الكاتب نفسه في فترة ما ثم موقفه هو نفسه في فترة أخرى ولا يمكن أن يبرر هذا التناقض إلا على أساس تداخل المعايير التى نبنى عليها مواقفنا النقدية تجاه الإبداع وحركية الإبداع داخل المجتمع وداخل الإطار القيمي أو خارجه .
أقول تداخل وضبابية المعايير وأكاد أقول غيابها مما أفسح المجال واسعا أمام المواقف الإنتهازية والمصلحية الضيقة وهذا لا شك ضار ضارا بالأدب وحركته ومكانته وأثره في حركة تطور الأمة كلها .
ومن خلال تلك المستجدات الجديدة على الساحة الأدبية تبدو أهمية البحث في العلاقة بين الأدب والمجتمع قديمه جديدة ملحة تدعو جميع الغيورين على الأدب وتطوره وعلى المجتمع وسلامته إلى نفض غبار المعارك وتوضيح الصورة وتجلية القضية وتحديد المعايير ما أمكن فنحن أقرب إلى نظرية الأدب منا إلى النقد المعيارى أو حتى التحليلي ولذلك فالجميع مطالبون بتوضيح المسألة وفض الاشتباك بحياد وتجريد بعيدا عن الغوغائية والنوازع التعصبية والأفكار المطلقة عن الحرية أو عن القيود فلكل حقل من حقول النشاط الإنسانى قواعده ومعاييره وأسسه مهما كنا نحب الحرية فلا بد ألا تتماهى الحدود بين الحرية والفوضى ؛ بين الإبداع والإخلال وكذلك مهما كنا نعتد بالقيم وأنها مطلقة حاكمة في مجتمع كمجتمعنا إلا أننا نأبي أن تغيب المعايير ونحكم على القيم الإبداعية بقيم غربية عن مجالها مستمدة من مجال آخر له احترامه وكيانه ولكن ليس له أن يحكم شيئا غريبا عنه0
معنى الإبداع معنى القيم
جاء في أساس البلاغة"أبدع الشئ وابتدعه اخترعه وابتدع فلان هذه الركيةوسقاء بديع جديد " المعنى اللغوى لكلمة الأبداع يدور حول الجدة والأختراع فالبديع هو الجديد الذى جاء على غير مثال سابق ومن هذا المعنى البدعة وهى الجديدة في أحكام الشرع وهى ضلالة على حد تعبير الحديث الشريف لأن الشرع توقيف لا ابتداع فيه ولا اجتهاد مع النص .
والبديع مذهب انتشر في العصر العباسي من رواده بشار وأبو نواس وابن المعتز ثم أبو تمام وقد ألف ابن المعتز كتابا سماه البديع . ثم انصرف المعنى الى المحسنات وصار علما على علم خاص من علوم البلاغة المتأخرة في شروح التلخيص وحواشيه وأصبح اسما على غير مسمى .
الإبتداع والأختراع أذن هو التأليف المتفرد الذى لا يخضع لتقليد مثال سابق ، ومن هنا فهو معاناة مستمرة يعيش فيها الإديب حتى يخط لنفسه طريقا مميزا .
ولكن الابداع رغم كل شئ يظل نسبيا في مجال الأدب فمهما عمل الأديب وبذل من جهد فإنه لن يتمكن من الإتيان بالجديد الخالص من أصوات الآ خرين معاصرين أو تراثيين بل إن هذا الظهور وكيفيته ربما كانت هى مناط التميز والتفرد .
فيما أزعم فأن الأبداع الأدبي ليس أن يأتى الأديب بما لم يأت به أحد من قبله أبدا بل أن يأتى بشئ مميزرغم أنه يحوى الكثير مما جاء به الأوائل فهو يأخذ منهم ويضيف إليهم أما أن ينسج في الهواء ويصرخ في بيداء ويسير في عكس الأتجاه فليس هذا إبداعا ولا ابتداعا ، أكاد أقول إنها في هذه الحالة تكون زوبعة لإثارة الانتباه ودعاوى عريضة دون محتوى .
الإبداع هو أن تأتى بالجديد الذي إذا قورن بالقديم كان منه وليس هو نفسه يأخذ الراية ويكمل المسيرة يبدأ حيث أنتهى الآخرون .
هذه الحركية المميزة للإبداع تحدث بالضرورة جدلا بين القديم والجديد لا قطيعة كما دعا بعض من لا يفهمون شيئا في أدب ولا فكر أو يفهمون لكن دوافعهم المغرضة هى التى تدفعهم لهدم التراث بجرة قلم سام لا شك .
هذا الصدام والجدل بين القديم والجديد هو سبيل التطور والتقدم في كل الآداب وهو بذرة النماء المستمر وبقدر هذا الجدل الخلاق نحكم على أدب ما بالحيوية أو الجدب .
أما عن القيم فقد جاء في أساس البلاغة أقام الشئ أدامه وما لفلان قيمة ثبات ودوام على الأمر وهو الحى القيوم الدائم الباقي وهو قائم بالملك وهم قامة الملك وساسته وقام الماء جمد "
المعنى العام للقيم هو الثبات والدوام فهى لا تتغير بتغير الزمان والمكان وهى – مهما قيل في شأنها – مطلقة رغم محاولات الوضعية المنطقية وغيرها من المذاهب الخلقية التى تصورها على أنها نسبية وتعلن مقولة "حقائق فوق البرانس بواطل دونها "0
ذلك الفهم الخاص للقيم ليس مسلما به حتى في إطارالثقافة الغربية فضلا عن أن نسلم به نحن أصحاب الثقافة العربية الإسلامية 0
أقول قد يبدو للبعض أن القيم تتأثر بمؤثرات الزمان والمكان فلكل عصر قيمة ولكل مجتمع قيمة ولكن هذا التأثير إنما هو عند الناس نسبي ونادر بل يكاد يكون عكس المطلوب وانتكاسا ورده يهب المصلحون في كل عصر ومصر لإزالةالغبار عن المجتمع التى تناساها أو تجاهلها بفعل الظروف المتغيرة أو يهب المصلحون لإقرار قيم ثابتةغابت عن المجتمع أو يحتاجها في لحظة تاريخية معينة .
الأصل إذن أن القيم ثابتة دائمة يقبلها المجتمع ويقيس نفسه عليها ويحسب موضع قدميه بالنسبة إليها فهى إرشادية معيارية حاكمة على ضروب النشاط الإنسانى بالصحة ما اقترب ذلك النظام من إطارها وبالخطأ والفساد ما ابتعد هذا النشاط عن نطاقها وعلى مدار التاريخ كانت نقاط التماس بين القيم وضروب النشاط الإنسانى مناطق ساخنة يحاول كل طرف أن يغير على حدود الطرف الآخر موسعا عن نطاقه0
وفي حالتنا هذه كثيرا ما سمعنا كلمات النقد الحاد والرفض التام من رجال الخلق والإصلاح والدين تنصب حارقة على عدد من الشعراء والأدباء وتحاكم الإبداع محاكمات مطولة وكذلك كم قرأنا وسمعنا من دفاعات مطولة مجيدة عن الحرية وعن حق الأديب في التمرد الدائم وأن الخنوع والخضوع لقيم الجماعة هو مرادف لقتل الإبداع ومظهر واضح لموت الأدب .
وقد تجلت تلك المساحة الساخنة في ظروفنا الراهنة ربما بأوضح صورها فقد ثارت معركة مؤخرا حول نشر رواية للكاتب حيدر حيدر ثم ثارت بعدها عدة معارك اختلفت منها المواقف وتباينت المنطلقات وتعارضت الآراء ثم لم يظهر وجه الحق جليا حتى الآن .
وسوف يستمر الصدام الأزلى بين الثابت والمتحول بين القيم الثابتة والإبداع المتحرك المتحول فمن الممكن أن يقود الإبداع القيم فيرسي قيما أهملت أو يزيل عنها التراب
قال أبو تمام قديما :
"ولـولا خـلال سنـها الشـعر مـادرى بنـاة العـلا مـن أيـن تـؤتى المكارم . فمثلا قيم التمسك بالأرضي والدفاع عنها ماتت لمدة من الزمن ثم أعادها الإبداع إلى الحياة قوية مؤثرة باهرة وثمة قيم أخرى ما زالت سائدة لكنها سلبية حاربها الإبداع وقد يتمكن من القضاء عليها .
لا يجب أن ننسي أن القيم هي مجال عمل الأدب الحق الخير الجمال وقد يصطدم الإبداع بتلك القيم أو بقيم متفرعة عنها أصلية وثابتة فهل يمكن أن نفسح له الطريق أم يجب أن نصادره ونضحى به من أجل القيم ؟!
الصراع الجدلى بين القيم والإبداع
والواقع أن العلاقة بين طرفي هذه المعادلة هى علاقة متوترة على مدار التاريخ الأدبي كله ، فدائما كان هناك صراع لا سبيل إلى القضاء عليه بين من يحكم القيم الإجتماعية فيحاكم فلويبر بسبب مدام "بوفارى " مثلا أو يوظف الأدب لخدمة فكر ما أو قضية ما اجتماعية أو سياسية ويصم الأدب الذى لا يوظف في هذا المسار بالفساد والضعف والإنحلال0
مثال لذلك دعوة الأدب الهادف التى انتشرت في الستينات على يد محمود أمين العالم ود. احمد مندورأو حركة الأدب الواقعى الإشتراكى ، هناك دائما صراع بين هؤلاء وبين من يطلق الشعر والأدب من كل القيود والحدود ويعتبر أن القيم الفنية البحتة هى الحاكم الوحيد والقانون الأوحد في حقل الدراسة الأدبية
رأينا ذلك في دعوة الفن للفن ومدارس النقد الجديد والشكلية الروسية ثم مذاهب الحداثة وما لنا نذهب بعيدا هكذا أن ذلك الموقف تجلى في تراثنا القديم حين دافع القاضي الجرجانى عن حرية الأديب وفصل بين دين الأديب وخلقه وبين مكانته الإبداعية حيث لم يطلق أحكاما خلقية على خلاعة امرئ القيس وأمثاله بل اكتفي بالأحكام الفنية فقط.0
هناك صراع إذن وقد أدلى فيه كل فريق بدلوه ودافع عن موقفه دفاعا صلبا مجيدا والجهة منفكة- فيما أزعم بين الفريقين – شرط أن نعمق النظرة ولا نتوقف عند ظواهر الأشياء .
إننا عندما نستعرض تاريخ الأدب في العالم ونرصد ملامح التغير ومسارات التطور يستوقفنا ملمح بارز في هذه الحركة وذلك التطور ألا وهو أن حالة المجتمع المنشئ للأدب العقلية والإجتماعية والسياسية كانت هي المؤثر الحاكم في تطور الأدب واتجاهه وجهة معينة وتكوين القيمة المهيمنة عليه في اللحظة التاريخية المعينة ، كان شعر الحماسة في العصر الجاهلي استجابة طبيعية لحالة المجتمع وكان تقديس المرأة في شعر التروبادور كذلك نتاجا لظروف اجتماعية بحتة 0
والشعر العذري في العصر الأموى لم يكن إلا استجابة لحالة إجتماعية جديدة متأثرة بالقيم الإسلامية التى احترمت المرأة فلم تعد سلعة كما كانت على الأقل المرأة الحرة أما شعر الخلاعة فهو يؤكد نفس القضية فحينما حرم المجتمع من وصال الحائر بالطريقة يهواها بسب الحدود والقيود الشرعية ، ووجد هدفه في سوق الجواري ونظر فيها إلي المرأة كسلعة عبر الشعر عن تلك القيم وتلك النظرة .
معنى هذا أن التأثير والتأثر المتبادل بين المجتمع وقيمه من جهة وبين الأدب والقيمة المهيمنة عليه من جهة أخرى في ظرف تاريخى معين ، هذه العلاقة كانت كفتها في الغالب تميل ناحية المجتمع والأنتصار له .
لا شك أننا لا ننادى بالجبرية الأدبية فلم يفرض أحد على كاتب أو شاعر شيئا حتى من فرضوا على الإبداع موضوعات معينة نحن لا نوافقهم فهذا خارج عن طبيعة الأمور فما إلى هذا قصدنا وما يصح أن نتعامل مع الأدب بتلك النظرة ، لكننا ننظر نظرة كلية نسبية ، فإذا كان هناك تأثر من الأدب بقيم مجتمعه أو بالقيم العامة وتأثير للأدب في هذه القيم فإن علاقة الثأثير والتأثر تميل كفتها ناحية المجتمع وقيمة السائدة .
وعلى مدار التاريخ فإن استجابة الأدب للقيم كانت نسبية وتسليمه لها لم يكن مطلقا نهائيا فما زال الأدباء يناوشون تلك القيم ويتململون منها بل وجهرون بعدائها لكنهم لا يملكون الإنتصار عليها مهما حدث.
ولذلك فإن العلاقة بين الأدب والقيم الإجتماعية يجب أن تعامل بحذر عندما ندرسها لأن الخيوط فيها متشابكة واللغط كثير بين من يدعي أن المجتمع هو كل شئ بل ويطالبنا بخطط خمسية للأدب على غرار خطط التنمية الأخرى كما كان يحدث في روسيا الشيوعية وبين من يلغط بأن الأدب إبداع خالص لا شأن له بالمجتمع وقضاياه وينادون بكتابة الجسد والخيبات الصغيرة وتوافه الحياةكما يدعون 0
هذا اللغط الكثير دفعنا إلى توسيع مساحة النظر ومعيار الحكم بل دفعنا إلى النظر في مجمل التاريخ الأدبي لإثبات تلك الفرضية البسيطة وهى أن المجتمع يحكم ويوجه الأدب دون أن يدرك الأدباء ذلك ودون أن يقاوموه بل دون أن يشعروا بوطأته في كثير من الأحيان 0
وهكذا فإن الحالة النفسية والاجتماعية وتصور المجتمع للكون والحياة والإنسان وفلسفته العامة الغالبة إنما هي أمور حاكمة للتطور الأدبي إن الدعوة لأدب يخالف تلك الفلسفة العامة والذوق الغالب هي دعوة فاشلة سلفا إذ لابد من تهيئة التربة قبل غرس نبت جديد وأي محاولة لتجاوز تلك الحقيقة هي محاولة مقضي عليها بالفشل وتجربة مصطنعة وتلك هي لب أزمة الأدب العربي الحديث حيث تعرض أدبنا لطوفان من فكر وفلسفات وذائقة وافدة تأثر بها الأدباء والنقاد بما أنهم أقدر على الاستيعاب والتذوق والتمثيل بصورة أسرع من جمهور الأدب ، وجمهوره لهذا السبب ولأسباب أخرى اجتماعية أيضا حدثت تلك القطيعة بعد أن حاول كبار أدبائنا إدخال مدارس أدبية جديدة نشأت في ظل ظروف معينة في أوربا 0
حاول كبار أدبائنا إدخال مدارس الرومانسية والواقعية ثم الرمزية ومدارس الحداثة بطريق التهجين فأخذوا منها الشكل أو الظاهر غالبا وافتقدوا الجوهر الذي هو فكرها وفلسفتها ونظرتها إلى الكون والإنسان أو اخذوا الفكر أيضا في بعض الأحيان لكن الجمهور لم يكن مستوعبا له أو قابلا له كله قد يكون مستعدا لقبول التجديد الشكلي أو لتمثل بعض عناصر التجديد إما أن يكون قابلا للمذهب برمته أصلا وفصلا كما يقال فلا ، فغاب الجمهور وغابت التجربة الحية والتفاعل المثمر بين المدرسة الأدبية والجمهور الأدبي عندنا ولم تكن عند كذلك الغرب 0
يقول محمد مندور عن نشأة المذاهب الأدبية "والذي تجب الفطنة إليه عند البحث في نشأة المذاهب الأدبية هو ألا تتصور انه قد قصد إلى خلقها فوضع الشعراء أو الكتاب أو النقاد أصولها من العدم ودعوا لاعتناق هذه الأصول وذلك لان الحقيقة التاريخية هي أن المذاهب الأدبية حالات نفسية عامة ولدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في العصور المختلفة " 0
هل يمكن ان تقول بناء على ذلك ان محاولة العقاد وزميله ثم مدرسة أبوللو والمدرسة الواقعية والشعر الجديد كل ذلك كان اصطناعا لا اساس له و ان أولئك الرواد جاءوا بما لا حاجة لنابه وما لا قبل لنا باحتماله وان حركتهم كانت ضد منطق التطور وطبيعة الأشياء ؟!
الواقع انه لا احد يمكنه أن يصدر ذلك الحكم رغم أن المدارس الأدبية بالفعل كانت تعكس حالات نفسية واتجاهات فكرية نشأت في بلاد بعيدة وثقافة أخرى لكن أمعان النظر مطلوب لبحث لماذا مال الرواد إلى هذه المدرسة أو تلك لا شك أنهم مهما كانوا منبهرين بأوربا وما فيها0
أقول لا شك أنهم كانوا متأثرين بحالة المجتمع في اختيارهم من بين المدارس السائدة في أوربا فقد بدأت النهضة عندنا بعد أن استوت على عودها في أوربا فلماذا أهمل شوقي جميع المدارس الرومانسية واهتم بالكلاسيكية ؟! ولماذا أهمل العقاد مذاهب الرمزية وما إليها واهتموا بالرومانسية لاشك أنهم في ذلك يسيرون مع المنطق الطبيعي للأشياء وأنهم كانوا يستجيبون لحاجة المجتمع 0
والآن جاء دور إثبات أو التحقق من تلك الفرضيات النظرية وسوف نستعين بتاريخ المذاهب الأدبية لان النظرة التاريخية مهما عابها البعض لهى اسلم الطرق لإثبات حالة التأثير المتبادل بين الأدب والقيم الاجتماعية 0
الكلاسيكية ومثل المجتمع الطبقي
نظرية المحاكاة كانت أساس الكلاسيكية في الغرب فقد قامت على فلسفة إحياء التراث اليوناني نظرية الفن عند أفلاطون الذي يرى العالم كله إنما هو ظلال ومحاكاة للعالم الحقيقي عالم المثل والفن محاكاة لما في الطبيعة فهو إذن ناجح بقدر مقدرته على نقل ما يحدث في الطبيعة سواء تصوير أو شعر أو دراما ثم طور أرسو هذه النظرية في كتابه" فن الشعر " ومن بعده هوراس في كتاب حمل نفس العنوان حيث رسخا نظرية المحاكاة في ضمير عصر النهضة الأوربية المجتمع الخارج حديثا من عباءة النبلاء ومن سلطة الكنيسة والإمبراطور عصر التنوير والعقل والفلسفة عصر ديكارت صاحب الكوجتو هنا نرى توازن كفتى الميزان بين المنهج الديكارتى العقلي الواضح الباحث عن اليقين في الاستنباط الرياضي وبين المسرح الشعري عند راسيين وموليير وكورني نرى قانون الوحدات الثلاث المحدد المعالم نرى أهمية الذوق واللياقة نرى الحفاظ على تقاليد الطبقة وملامح البطل النبيل هذا الأدب يعبر عن روح الطبقة المسيطرة ومثلها الاهتمام بالشكل والقواعد المرعية والوضوح المنطقي والاهتمام بالفخامة واتخاذ المسرح أساسا لتحديد قواعد الفن وشرح نظرية المحاكاة وعدم الاحتفال بالذاتي الفردي وعدم الإعجاب بالانفعالات غير المبررة بل احتقار الاندفاعات غير العقلية والدعوة لتمجيد الإنسان بما هو كينونة عامة وليس بما هو فرد منفرد لا يتكرر مثل ذلك كان توافقا من الأدب مع المجتمع الكلاسيكي فلم يكن هناك غالبا صراع بين أدباء العصر ومجتمعهم على صعيد القيم لا شك لأنها مناط بحثنا وذلك لأن الأدب خضع للمجتمع وعبر عنه اصدق تعبير وعندما نقلت الكلاسيكية إلينا على يد الزعماء الأحياء قامو بما قام به أدباء أوربا فكان الشعر الجاهلي هو المثال أو على الأقل الشعر القديم هو المثال الذي قام بما قام به المسرح اليوناني في أوربا وكانت كتب الآمدى والجرجاني هي الأساس الذي ارسي قواعد الشعر كما حدث في حالة كتاب الشعر لأرسطو ثم تأكدت هذه القواعد في كتاب الوسيلة الأدبية ثم المواهب الفتحية كما في حالة كتاب هوراس فن الشعر 0
وعبر البارودي وشوقي وحافظ عن كل ما يعتمل في مجتمعهم وكانوا لسان حال ذلك المجتمع فقد وجهوه وعبروا عنه دون تناقض مع قيمه أو حتى تباعد معها 0
وكما حدث في أوربا من نقد وشك في جدوى شعر بوب الأخلاقي في انجلترا ذلك الشعر التعليمي الملتزم بالقواعد حدث ذلك عندنا فقد تشكك النقاد عندنا في شعر شوقي الحكمي و الأخلاقي كما في الديوان لعباس العقاد والمازني 0
فالتشابه واضح جلي والدور الذي قامت به كلاسيكية الغرب هو نفسه الدور الذي قامت به كلاسيكية الشرق بل والمجتمع الطبقي متشابه رغم اختلاف الظروف بينهما والدور الذي قامت به كلاسيكية الغرب هو نفس الدور الذي قامت به كلاسيكية الشرق والمصير واحد فلا عجب ان يكون الموقف بينهما واحد من المجتمع 0
الرومانسية
كل من يحاول دراسة هذه المدارس المتداخلة المتشابه يبدأ بوصف المجتمع الذي افرز تلك المدارس ويعتبر كثير من دارسي الأدب انه ليس هناك على مدار التاريخ الأدبي إلا الكلاسيكية والرومانسية فهما يتراوحان ويتبادلان السيطرة على عصور الأدب حسب حالة المجتمع وموقفة من القيم والتقاليد السائدة فإذا كان هناك احترام للقديم وتقديس له بسبب نهضة سابقة سيطرت الكلاسيكية وإذا كان هناك قلق وثورة وتوتر ورغبة في الجديد وتململ من القديم سادت الرومانسية 0
والرومانسية التي استحقت بل ونحتت هذا المصطلح هي مدرسة تمثل خطوة كبري في سلم التطور الادبي فمن عباءتها خرجت الحداثة بكل أشكالها وألوانها أن الرومانسية هي المعبرة عن روح الطبقة الوسطي إبان صعودها بعد تفوقها على طبقة النبلاء ففي الرومانسية تتجسد روح تلك الطبقة وأحلامها وأخلاقها حيث كانت تتطلع للعالم المفتوح أمامها الملئ بالمغامرة والأماكن البكر الموحشة 0
البهيجة في الوقت عينه الغابات والبحار الممتدة والشعوب البدائية والأموال والنجاح ثم السقوط واللاجدوى بعد ذلك 0
ورغم كل ما قيل من جنوح الرومانسية للخيال والأحلام واعتمادها المطلق على الانفعال الفردي وتقديسها للفرد في مواجهة المجتمع فان ذلك يحوى من حيث لا تدري تلك الرومانسية خضوعا لمنطق المجتمع وتماشيا معه واستجابة لروحه فأنه المجتمع المؤمن بالفرد والفردية المتطلع لعالم مثالي ليس له وجود على الأرض عالم يحكمه الخيال حيث المال يحكم الأرض المجتمع الذي صار يشعر بغربة قاتلة وانفلات مدمر أليس عجيبا أن شوقي الذي عاش في فرنسا وعاصر كبار الرومانسيين لم يستجب للرومانسية وكان كلاسيكيا حتى النخاع ولم يتذوق من الأدب الفرنسي إلا ماكان كلاسيكيا هل كان ذلك إلا استجابة لتكوينه الارستقراطى وان شوقي نفسه عندما ظهرت دعوة الديوانيين وهجومهم عليه لم يستجب لها بل لم يهتز بها أدني اهتزاز ثم لما عانى تجربة النفي وتحطمت أبهته الأرستقراطية وضاع منصبه في البلاط الخديوي مال شوقي نفسه إلى الرومانسية في أخريات حياته وغنى كما لم يغن من قبل في مسرحياته وهى التي أعدت لتمثيل اى غنى في الدراما أكثر مما غنى في الشعر الغنائي ولنراجع معا مجنون ليلي وكليوباترا لنبرهن على ذلك هل بعد ذلك نجد شكا فى تحكم الذوق العام والإطار العام للأديب في توجهه الفني 0
إن طبقة البرجوازية الجديدة التي نشأت في مصر بعد نهضة محمد على التعليمية والتي عانت ويلات الاحتلال الانجليزى وشعرت بغربة قاتلة في وطنها ربما اشد من الغربة التي أنتجت حركة الرومانسية الأوربية تلك الانتلجنسيا هي التي حملت لواء الرومانسية العربية من الديوان إلى أبوللو مرورا بالمهجريين تلك النخبة التي ملت القديم وتململت من القيم السلبية البالية القديمة التي أدت إلى السقوط في براثن المحتمل قيم المبالغة والنفاق والشكلية والتقليد وعدم المجازفة وراء الجديد العميق وكذلك قيم الجمود ورفض التحرر وقد ربطت بين تلك القيم المحافظة في كل صورها فنبذتها جميعها بحدة وشدة وعانت في تلك الفترة 0
فإن المتعجل يمكن أن يظن أنها عادت المجتمع وتصادمت معه ولكن كيف نحكم بهذا والمجتمع كله يتململ ويتمرد على تلك القيم البالية وقد رأى في الرومانسية تعبيرا عن نفسه رغم كل ما يثار من معارك أدبية بين أنصار القديم والجديد فلا شك أن الغلبة كانت للجديد ونعود مرة أخرى إلى أوربا والى رينيه ويلك فيحدثنا " كان انتصار الرومانسية في ألمانيا أكمل مما في سواها لأسباب تاريخية واضحة فقد كانت حركة التطوير هناك ضعيفة قصيرة العمر ولم تأت الثورة الصناعية هناك إلا في وقت متأخر ولذلك فتحت تلك الأسباب الاجتماعية الفكرية الطريق أمام أدبا أنتج معظمه مفكرون غير ملتزمين ومعلمون وجراحون في الجيش وموظفوا مناجم الملح وموظفوا المحاكم ومن لفلفهم ممن تمردوا على مثل الإقطاع والطبقة الوسطي هذه هي الرومانسية التي وصفها الشاعر الانجليزى بليك ويرى أن هدفها الأعلى هو أن ترى العالم حبة رمل والسماء زهرة برية فأمك اللا نهائية في راحة يدك عبرت الرومانسية عن روح المجتمع في أوربا وكذلك عندما نقلت إلينا في ظرف تاريخي معين عبرت عنا وعن روح مجتمعنا رغم أنها منقولة وذلك لتشابه الظروف فمسوغ نقلنا لها وسبب قبولها هو حالة المجتمع حتى لقد سميت الرومانسية لذلك مرض العصر "0
الرمزية والحداثة والقيم الاجتماعية
مذهب الرمزية ربما كان من أكثر المذاهب خرقا للقيم الاجتماعية وطلبا للحرية والانفلات من كل القيود حتى من قيود العقل الواعي وهو مذهب متأثر بالملل الذي أصاب الطبقة الوسطي أو الطبقة البرجوازية إن شئنا الدقة وشعورها باليأس بعد تحطم أجنحتها وروح المغامرة التي كانت فيها وبعد شعور الأدباء بمأساة الإنسان في ظل الجشع الرأسمالي الشديد وتحطيمها -أي الرأسمالية لكل قواعد العقل والمنطق ومن هنا مالت الرمزية إلى أشكال وآليات بعيدة عن العقل اقرب إلى الكشف الصوفي أحيانا والى التعمية المقصودة أحيانا والى التهويم فيما وراء العقل والواقع في الأحيان لجأت الرمزية إلى استيطان اللاوعى الفردي واللاوعى الجمعىالى تحطيم الأطر القديمة للتعبير اللغوي شعرا ودراما وسردا بحثا عن الجديد بحثا عن نقطة ضوء في ليل كثيف صنعته الرأسمالية وقيمها البالية وهنا يكون الصدام الظاهري مع قيم المجتمع ليس صداما بل هو نفاذ لروح محجوب وراء دخان المصانع وأصوات البائعين في البورصة وما قيل عن الرمزية يقال بحذافيره عن كل حركات الحداثة بعدها وما قيل عن رمزية وحداثة وما بعد حداثة الغرب يقال عما حدث عندنا ربما الفرق الوحيد بيننا وبينهم وهو يظهر في كل المدارس السابقة إنما هو في مدى فهم الأسس النظرية والمنطلقات الفلسفية 0
بين الفردية والجماعية
هناك جدل بين قديم فلاسفة التاريخ حول من يصنع التاريخ هل هم العظماء كما رأى ذلك كارليل في كتابة الأبطال وكما رأى رأى غيره أم أن المجتمع وحركته هما اللذان يصنعان التاريخ 0
بل إن هناك صراع بين من يرون الفكرة هي محركة التاريخ كما نرى ذلك عند المثاليين بزعامة هيجل وبين من يرى أنها المادة كما زعم الماركسيون الماديون العجيب أن هذا الخلاف برمته قد نقل إلى مجال الأدب فهناك من يرى أن الأدب يطوره أدباء وشعراء عباقرة لا يخضعون بالضرورة للواقع بل سيتمردون عليه ومن ثم يأتون بالجديد ويغيرون مسار الحركة الأدبية ويغيرون النموذج الارشادى للذوق العام 0
يقول ماركس سترنرابو المذهب الفوضوى ان الأعمال الفنية التي يستطيع فنان ما إبداعها يعجز غيره عن القيام بها ذلك لأنها وليدة موهبة خاصة لا تخضع بحال للتنظيمات والترتيبات الجماعية فمن ذا الذي يستطيع أن يحتل مكانة موزار الموسيقية أو روفائيل الفنان هذا على جانب وعلى الجانب الآخر ما زال هناك من يصرون على أن الواقع الاجتماعي هو الذي يستجيب لموهبة فذة ما في كل ظرف تاريخي ما أو لا يستجيب وبالتالي تنمو تلك الموهبة وتخفت تلك الأخرى وسيظل ذلك الخلاف مستعرا لا حل نهائيا له أننا إذا راجعنا التاريخ الأدبي وليكن تاريخنا نحن سنجد أن المواهب الفذة عبرت عن نفسها وطورت المسار الأدبي كله من خلال تعبيرها عن روح العصر وعن قيم الجماعة وليس من خلال مصادماتها أو التعالي عليها إذن فان حل تلك الإشكالية النظرية التي شرحناها سابقا كان موجودا في تاريخنا لمن أراد البحث والدرس ولم يكن ثمة تعارض بين الأديب والقيم المهيمنة الفلسفية والاجتماعية 0
ففي العصر الجاهلي نرى الخنساء تلك الموهبة الشعرية التي لم تتكرر على نفس الدرجة في شعرنا اللهم إلا عند نازك الملائكة قليلا تلك المرأة في مجتمع الحماسة والقتال الدائم مجتمع المعارك والعجاج الثائر والدم الفائر والناس بين موتور وواتر يقول دريد بن الصمة
يغـير علـينا واترين فيشفي بنا إن أصبنا أو نغير على وتر
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا فما ينقضي إلا ونحن على شطر
الطوفان الذي كان لا يري الشعر أنثويا لكن المراة المعبرة عن القيم الحمية والفروسية والبطولة الفردية الفذة في رثائها لأخويها معاوية ثم صخر لم تستطع أن تتكيف مع مجتمع آخر يقدس المثل الديني والجهاد في سبيل الله من اجل الحق والعدل والدعوة الجديدة فلم تزد عندما سمعت باستشهاد أولادها الأربعة في القادسية أو اليرموك أن قالت الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم 0
كيف حدث هذا ؟! إن عاطفة الأمومة هي أقوى لاشك ولكن قيم وموضوعات المجتمع الجاهلي ووضع صخر بالنسبة للقبيلة هو الذي حرك لسان الخنساء بالبكاء ومواضعات المجتمع الاسلامى ووضع أبنائها هو الذي جعلها تصمت فلم يكن أبناؤها حماة الدولة بل هم مجرد ارفاد في مجتمع كبير ولم يضع جهدهم وجهادهم هباء فقد دخلوا جنة عرضها السماوات والأرض إذن فلم البكاء والعويل الذي تفجر حسب مواضعات العصر الجاهلي صار حمدا وشكرا على شرف الشهادة في العصر الاسلامى ارايتم كيف يؤثر المجتمع وفلسفته العامة على الأدب وكيف اختلف موقف الأديب الواحد في عصرين مختلفين 0
الأدب والقيم
هل يحق لنا أن نستخلص من هذا المثال الذي ضربناه من المجتمع الجاهلي وغيره كثير أن الأدب مجرد انعكاس للمجتمع كما يدعي أصحاب المدرسة المادية الجدلية وكما عبر عنهم " إن القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج والتطورات الاقتصادية هي التي يتكون منها بنيان المجتمع السفلى الذي يقوم على أساسة الصرح الضخم للبنيان العلوي المكون من المثل الفكرية فالمؤسسات السياسية والقانونية والعقائد الدينية (؟!!)والأخلاق والآداب والفنون تعكس فيما تشرعه لنفسها من نظم وما تتخذه من قرارات وما تبتدعه من إنتاج ظواهر اقتصادية "
هذا التوصيف الفج لعلاقة الأدب بل والفلسفة بالمجتمع لا اقبله واعتقد أن البحث الأدبي قد تجاوزه في أيامنا هذه بمراحل وصار رافضا له بنفس القدر أو بأشد من قبوله له في فترة سابقة كان هذا الرأى مسيطرا على الساحة فارضا هيمنة كاملة ولكن للسائل أن يسأل ولماذا ضربت مثل الخنساء طالما لن تسلم بما يترتب على ضربة أو طالما ستحترس من بعض ما يترتب على ضربة؟
الواقع اننى ضربته تمهيدا للسؤال التالي :-
إلى اى حد أو إلى اى مدى يسمح للفنان أو يسمح هو لنفسه بمخالفات مواضعات الجماعة وقيمتها المهيمنة ؟! فإذا كانت الإجابة عن سؤالنا أيهما يوجه الأدب أم أن المجتمع قد حسمت تقريبا إلى أن المجتمع أكثر تأثيرا على الأدب من تأثير الأخير عليه 0 وإذا كنت لم ترض أن يكون الأدب مع ذلك مجرد مرآة ، عاكسة للمجتمع فأنت تسلم إذن أن هناك قدرا لا بأس به من الحرية لدى الأديب
أقول بل أنا ادعي أن الأدب أو بعض نماذجه العليا تتخطى مرحلة التعبير عن المجتمع إلى مرحلة تنوير أو تثوير ومن ثم تغيير المجتمع 0 وعلى هذا الأساس نعود إلى السؤال ما مقدار الحرية التي يمكن أن يتمتع بها الأديب تجاه المجتمع ؟
لقد راوغ توفيق الحكيم في كتابه فن الأدب "ص 288، ص 299 تحت عناوين الأديب يلتزم الأدب لا يلتزم فما معنى أن الأديب قد يلتزم بقضية ما ويدافع عنها كما فعل حسان بن ثابت مثلا في الدفاع عن الإسلام والالتزام به ،وان الأدب لا يلتزم مع ذلك باحترام ذلك الأديب ووضعه مثلا في طبقة المتنبي 0
نعود إلى سؤالنا ودعوني أطرح طرحا ما لقد قسم النقاد وهو سيد قطب في كتابه "النقد الأدبي أصوله ومناهجه "قسم الأدباء إلى العباقرة من أمثال طاغور وتوماس هاردى وعمر الخيام والممتازين من أمثال المتنبي وابن الرومي وأبي العلاء ثم هناك الشعراء والأدباء العاديون أو النظامين أمثال البهاء زهر وابن المعتز قديما وأمثالهم حديثا كثيرون0
ويذكرني هذا التقسيم الجزافي بأطروحة توماس كون في كتابة بنية الثورات العلمية – فهو وان كان في مجال مختلف عن الأدب وتنظيراته إلا أن فكرته الأساسية أن العلم يتطور عبر قفزات أو ثورات حيث يكون المجتمع العلمي يبدو غير مسلم بها فيقوم نتيجة لهذا بتغير القيم الإرشادية في نقلة أو ثورة تشبه ما فعلة كوبر نيقوس في الفلك هنا تنقلب الحال ويتطور العلم 0
ما الهدف من كل ذلك ؟
إن الأدباء ليسوا جميعا على قدم المساواة في قدر الحرية الممنوح لهم من المجتمع لخرق مواضعاته ، فهناك من ينفذ إلى روح المجتمع وذلك بموهبة فذة وبصيرة نافذة مدركة لما هو جوهرى وأصيل وثابت وما هو عرض مضر وزائل فيخالف ذلك ويدمره ويحافظ على هذا وينميه فليس كل قيم المجتمع قابلا لأن يكون حقل تجارب بل إن هناك اختيارا وتدقيقا في تطوير اى جانب وحماية اى جانب وتلك موهبة لا تكتسب بل لا يمكن تحديد ذلك قبليا وإنما يتحدد بعد أن يكون المبدع قد فرغ من عمله هنا نقول أن النص قد أضاف علة إلى عللنا الكثيرة وزاد الطين بلة أو نقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق