شعر الدعوة بين المضمون والإبداع
شعر الدعوة عند أكثر ناقديه ومؤيديه على السواء هو الشعر الذي يلخص الأفكار ويدعو إلى إتباعها بصورة مباشرة ويعلى من شأن المجاهدين في سبيل الفكرة وينحاز إليهم ولو على حساب القيم الفنية والتأثير الفني فهو عندهم – النقاد المعترضين والشعراء الكاتبين – على حد سواء ليس أكثر من صياغة فنية بسيطة لأفكار جاهزة ومعروفة سلفا بل عند مؤيديه تقاس جودته بما يحويه من أفكار ومعان0
فكلما كانت الأفكار عظيمة والمعانى عميقة سامية كلما ارتفع وعلا شأنه أما الجودة الفنية فهي في الدرجة الثانية أو الثالثة0
لكن لنا اعتراضا وجيها على هذه الفكرة التي سادت وصارت مسلمة عند أكثر الباحثين فليس شعر الدعوة هو الدعوة ذاتها منظومة حسب قواعد العروض والقوافي وان كان بعض الشعراء قد فهم ذلك وكتب منظومات على هذا النحو فما عذر النقاد اللذين لم يوجهوا أنظارهم إلى أن الشعر إبداع يصلح في الخير كما يصلح في الشر0
أحسب أن للقضية جذورا تاريخية منذ أن انتشرت دعوى بلا دليل مفادها أن الشعر قد ضعف ولان في صدر الإسلام وتصدى الأصمعي لعليل هذه الدعوى بمقولته الشهيرة أن الشعر نكد لا يصلح إلا في الشر 0
وسار النقاد والباحثون من بعده على ذلك النهج يؤكدون أن شعر حسان قد ضعف بعد الإسلام متجاهلين انه حمل عليه شعر كثير كما ذكر ابن سلام في طبقات فحول الشعراء وأن سنه في الإسلام كانت سن شيخوخة وأن الشعراء الذين واجههم لم يكونوا بقامة النابغة والخنساء كما كانوا في الجاهلية بل شعراء صغار أمثال ضرار بن الخطاب وابن الزبعرى فلم يستفزوا شاعرية حسان بل انه غلبهم بأقل مجهود أضافة إلى أن حسان بن ثابت وغيره من شعراء المسلمين كانوا في حالة انهيار وذهول وصدمة فنية أمام الإعجاز القرآني ولم تستقر بعد أرضيتهم الفنية الجديدة فقد عاشوا دهرا في الجاهلية وأبدعوا فيها أشعارا ثم صار عليهم فجأة أن يحدثوا قطيعة معرفية مع الجاهلية ويرتادوا أرضا جديدة عير معبدة في الإبداع 0
ولعل هذا ما دفع شاعرا فحلا من شعراء المعلقات هو لبيد بن ربيعة إلى أن يتوقف عن الشعر بعد الإسلام وقال إن الله أبدلني بسورة البقرة عن كل شعري على ذلك فلا تصلح فترة صدر الإسلام وهي فترة قصيرة أن تكون حكما لكل عصور الأدب نأخذ منها مسلمة أن شعر الدعوة ضعيف لا عاطفة فيه ولا خيال إنما أفكار دعوية مصاغة شعرا 0
على الجانب الآخر يدعي النقاد والشعراء المبدعون أن الالتزام بأى فكرة كانت وأي دعوة إنما هو قتل للإبداع الذي يجب أن يكون حرا محلقا حتى وصل الأمر إلى نفي المضمون تماما0
و في الشعر الحداثي فأنت أمام نص يمكن أن تعدد فيه القراءات إلى ما لا نهاية بل وأن تتناقض القراءات أيضا فما يستشعره قارئ مثقف ذواق من نص ما قد يستشعر نقيضه قارئ آخر من النص ذاته وهكذا بل أن الشاعر ذاته قد يقرأ نصه فيستعيد ذكريات ويستشعر صورا ما ثم يقرؤه بعد مدة فيستعيد صورا ومشاعر نقيضه للاولي فهل نسلم بهذه النظرية للإبداع أم أن لنا رأيا فيها الحق أن الإبداع بمعنى الإتيان بالبديع المخترع الجديد أو الأصيل هذا الإبداع قيمه حاكمة في كل فن فما لم تدهش وتجدد فلا قيمة تذكر لعملك ولكن هل يتنافى الإبداع مع شعر الدعوة تلك هي المشكلة لان أصحاب شعر الدعوة يظنون الإبداع ضربا من عمل الشيطان وأصحاب الانطلاق في كل الأودية يهيمون حيث شاءوا يظنون شعر الدعوة نقيضا للإبداع بما أن الأفكار محددة سلفا0
لكنني أرى أن الجهة منفكة على حد تعبير المناطقة فلابد من الإبداع ولابد من الالتزام بفكره والدعوة لها بحرارة فهذان هما جناحا الشعر الذي يحتاجهما ليحلق بهما 0
أما أن تظن أن الإبداع ألاعيب في الهواء تنم عن فراغ وخواء فما الفرق بيننا وبين شعراء فترات الضعف والانحلال في العصر التركي حيث ظنوا الإبداع هو في تكلف محسنات كالتورية والجناس حتى لو لم تكن هناك قضية أو دعوة ما بل ظنوا الشعر مجموعة من الألاعيب والحيل تبرز القدرات اللغوية ليس إلا هذا إبداع رفضناه منذ البارودي
فكيف يريد أصحاب الحداثة أن يعودوا إلى الوراء وليتنا نعود إلى عصور الازدهار بل نعود إلى أيام التخلف والركود وكذلك فليس شعر الدعوة معناه تحول الأفكار المجرد إلى شعر ليس فيه إلا الوزن والقافية إن وجدوا بل يجب أن ينفعل الشاعر صاحب الدعوة بالقضية ويعايشها ثم يبدع في التعبير عنها جماليا إبداعا يدهش ويمتع ويؤثر ويدفع إلى موقف ايجابي 0
شعر الدعوة عند أكثر ناقديه ومؤيديه على السواء هو الشعر الذي يلخص الأفكار ويدعو إلى إتباعها بصورة مباشرة ويعلى من شأن المجاهدين في سبيل الفكرة وينحاز إليهم ولو على حساب القيم الفنية والتأثير الفني فهو عندهم – النقاد المعترضين والشعراء الكاتبين – على حد سواء ليس أكثر من صياغة فنية بسيطة لأفكار جاهزة ومعروفة سلفا بل عند مؤيديه تقاس جودته بما يحويه من أفكار ومعان0
فكلما كانت الأفكار عظيمة والمعانى عميقة سامية كلما ارتفع وعلا شأنه أما الجودة الفنية فهي في الدرجة الثانية أو الثالثة0
لكن لنا اعتراضا وجيها على هذه الفكرة التي سادت وصارت مسلمة عند أكثر الباحثين فليس شعر الدعوة هو الدعوة ذاتها منظومة حسب قواعد العروض والقوافي وان كان بعض الشعراء قد فهم ذلك وكتب منظومات على هذا النحو فما عذر النقاد اللذين لم يوجهوا أنظارهم إلى أن الشعر إبداع يصلح في الخير كما يصلح في الشر0
أحسب أن للقضية جذورا تاريخية منذ أن انتشرت دعوى بلا دليل مفادها أن الشعر قد ضعف ولان في صدر الإسلام وتصدى الأصمعي لعليل هذه الدعوى بمقولته الشهيرة أن الشعر نكد لا يصلح إلا في الشر 0
وسار النقاد والباحثون من بعده على ذلك النهج يؤكدون أن شعر حسان قد ضعف بعد الإسلام متجاهلين انه حمل عليه شعر كثير كما ذكر ابن سلام في طبقات فحول الشعراء وأن سنه في الإسلام كانت سن شيخوخة وأن الشعراء الذين واجههم لم يكونوا بقامة النابغة والخنساء كما كانوا في الجاهلية بل شعراء صغار أمثال ضرار بن الخطاب وابن الزبعرى فلم يستفزوا شاعرية حسان بل انه غلبهم بأقل مجهود أضافة إلى أن حسان بن ثابت وغيره من شعراء المسلمين كانوا في حالة انهيار وذهول وصدمة فنية أمام الإعجاز القرآني ولم تستقر بعد أرضيتهم الفنية الجديدة فقد عاشوا دهرا في الجاهلية وأبدعوا فيها أشعارا ثم صار عليهم فجأة أن يحدثوا قطيعة معرفية مع الجاهلية ويرتادوا أرضا جديدة عير معبدة في الإبداع 0
ولعل هذا ما دفع شاعرا فحلا من شعراء المعلقات هو لبيد بن ربيعة إلى أن يتوقف عن الشعر بعد الإسلام وقال إن الله أبدلني بسورة البقرة عن كل شعري على ذلك فلا تصلح فترة صدر الإسلام وهي فترة قصيرة أن تكون حكما لكل عصور الأدب نأخذ منها مسلمة أن شعر الدعوة ضعيف لا عاطفة فيه ولا خيال إنما أفكار دعوية مصاغة شعرا 0
على الجانب الآخر يدعي النقاد والشعراء المبدعون أن الالتزام بأى فكرة كانت وأي دعوة إنما هو قتل للإبداع الذي يجب أن يكون حرا محلقا حتى وصل الأمر إلى نفي المضمون تماما0
و في الشعر الحداثي فأنت أمام نص يمكن أن تعدد فيه القراءات إلى ما لا نهاية بل وأن تتناقض القراءات أيضا فما يستشعره قارئ مثقف ذواق من نص ما قد يستشعر نقيضه قارئ آخر من النص ذاته وهكذا بل أن الشاعر ذاته قد يقرأ نصه فيستعيد ذكريات ويستشعر صورا ما ثم يقرؤه بعد مدة فيستعيد صورا ومشاعر نقيضه للاولي فهل نسلم بهذه النظرية للإبداع أم أن لنا رأيا فيها الحق أن الإبداع بمعنى الإتيان بالبديع المخترع الجديد أو الأصيل هذا الإبداع قيمه حاكمة في كل فن فما لم تدهش وتجدد فلا قيمة تذكر لعملك ولكن هل يتنافى الإبداع مع شعر الدعوة تلك هي المشكلة لان أصحاب شعر الدعوة يظنون الإبداع ضربا من عمل الشيطان وأصحاب الانطلاق في كل الأودية يهيمون حيث شاءوا يظنون شعر الدعوة نقيضا للإبداع بما أن الأفكار محددة سلفا0
لكنني أرى أن الجهة منفكة على حد تعبير المناطقة فلابد من الإبداع ولابد من الالتزام بفكره والدعوة لها بحرارة فهذان هما جناحا الشعر الذي يحتاجهما ليحلق بهما 0
أما أن تظن أن الإبداع ألاعيب في الهواء تنم عن فراغ وخواء فما الفرق بيننا وبين شعراء فترات الضعف والانحلال في العصر التركي حيث ظنوا الإبداع هو في تكلف محسنات كالتورية والجناس حتى لو لم تكن هناك قضية أو دعوة ما بل ظنوا الشعر مجموعة من الألاعيب والحيل تبرز القدرات اللغوية ليس إلا هذا إبداع رفضناه منذ البارودي
فكيف يريد أصحاب الحداثة أن يعودوا إلى الوراء وليتنا نعود إلى عصور الازدهار بل نعود إلى أيام التخلف والركود وكذلك فليس شعر الدعوة معناه تحول الأفكار المجرد إلى شعر ليس فيه إلا الوزن والقافية إن وجدوا بل يجب أن ينفعل الشاعر صاحب الدعوة بالقضية ويعايشها ثم يبدع في التعبير عنها جماليا إبداعا يدهش ويمتع ويؤثر ويدفع إلى موقف ايجابي 0